تصعيد جنوب لبنان- إسرائيل توسع حربها وتقويض حزب الله يشتد

المؤلف: صهيب جوهر10.10.2025
تصعيد جنوب لبنان- إسرائيل توسع حربها وتقويض حزب الله يشتد

يتفاقم الاحتقان على الجبهة الجنوبية للبنان، حيث إسرائيل، وفي أعقاب محاولة قصف البنية العسكرية الأساسية لحزب الله عن طريق تدمير أجهزة "البيجر" واللاسلكي التي كانت بحوزة أعداد غفيرة من العناصر والكوادر والقيادات في حزب الله، واغتيال القيادة العملياتية لوحدة الرضوان والمجلس الجهادي في الحزب، بات جليًا أن الجيش الإسرائيلي قد شرع في مرحلة جديدة من المساعي الرامية إلى إضعاف مقدرات حزب الله وجرّه إلى مواجهة شاملة.

تتضمن هذه المرحلة استهدافًا مزدوجًا لمواقع ومنصات انطلاق الصواريخ، مع تكثيف للغارات الجوية على القرى الجنوبية ومنطقة البقاع الغربي، وذلك بهدف قطع كافة خطوط الإمداد لهذه الجبهة من شمال نهر الليطاني إلى جنوبه.

نظرًا للحجم الهائل من الخراب والترويع والمذابح التي ألمت بلبنان يوم أمس، والتهديدات الإسرائيلية بالمزيد، يتوقع البعض أن تكون المرحلة المقبلة من العملية العسكرية الإسرائيلية قاسية للغاية، وباهظة التكاليف البشرية والعسكرية. هذه المرحلة تذكر اللبنانيين بتلك التي اعتاد الجيش الإسرائيلي على شنها في حرب غزة، عندما يصب جام غضبه على الأحياء السكنية بما تحتويه من منشآت مدنية وبنى تحتية ضرورية.

سعت حكومة نتنياهو إلى اختبار قدرات الحزب المتبقية بعد الضربات الموجعة الثلاث التي تلقاها في الأسبوع الماضي، وعملت على تحديد مواقع منصاته الصاروخية المتبقية.

فعليًا، يمكن اعتبار أن مرحلة حرب الإسناد والاحتلال والاتصالات الدبلوماسية قد انتهت بشكل ملموس مع الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتاين إلى تل أبيب، والتي لم يفلح خلالها في إقناع الإسرائيليين بالتوقف عن اندفاعهم. لكن الحدث الأهم تمثل في زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي للحدود بين لبنان وإسرائيل، للاطلاع عن كثب على خطط الهجوم المعدة للبنان. وبعد تلك الزيارات، شهدت الجبهة تصعيدًا إسرائيليًا ملحوظًا.

يرى البعض أن المؤشر الأوضح على ذلك يتمثل في إلغاء وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لزيارته إلى إسرائيل، والذي تزامن مع تصريحات أمريكية متواترة حول الالتزام بالدفاع عن إسرائيل وحمايتها، خاصة وأن التصعيد الإسرائيلي الكبير قد جاء بالتزامن مع وصول حاملات الطائرات الأمريكية إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

أهداف ومطامح

كما يرى البعض الآخر أن صمت إسرائيل يوم الأحد إزاء موجات الصواريخ التي أطلقها حزب الله نحو عمقها، كان بمثابة اختبار إسرائيلي محض لقدرات الحزب. إذ تمكن حزب الله من إصابة أهداف حيوية اقتصادية وعسكرية في شمال حيفا، وهو ما شكل انتعاشًا معنويًا جزئيًا له، بعد الضربات الأمنية والإلكترونية التي تلقاها مؤخرًا. ولكن في العمق، كانت حكومة نتنياهو تسعى إلى تقييم القدرات التي لا يزال الحزب يمتلكها في أعقاب الضربات التي تعرض لها في الأسبوع الماضي، والعمل على تحديد مواقع منصاته الصاروخية المتبقية، والاستعداد للخطة التي بدأت في تنفيذها أمس.

هذا يعني أن حكومة نتنياهو كانت تهدف إلى اختبار قدرات الحزب التي ما زال يتمتع بها بعد الضربات الثلاث الكبرى التي تكبدها في الأسبوع الفائت، وسعت إلى تحديد أماكن منصاته الصاروخية المتبقية، والتجهيز للخطة التي باشرت تنفيذها يوم أمس. وتستهدف هذه الخطة، وفقًا للتطورات الميدانية، تحقيق أربعة أهداف محورية قبل انقضاء الأسابيع السبعة المتبقية من ولاية الإدارة الأمريكية الحالية:

  • أولًا: تسعى إسرائيل إلى تدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية لمنظومة الاتصالات الخاصة بحزب الله. وقد بدأت هذه العملية مبكرًا باستهداف المقاتلين والكوادر من خلال تعقبهم عبر اتصالاتهم بواسطة الأجهزة الذكية، ثم طورتها إلى استهداف هؤلاء الكوادر باستخدام أجهزة "البيجر" واللاسلكي التي تم اختراقها وتفجيرها بمن يحملونها. مما ينبئ بأن المرحلة القادمة قد تشهد عمليات جديدة أشد خطورة؛ نظرًا لأن إسرائيل تستخدم القدرات التي تخولها تحقيق إنجازات في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني.
  • ثانيًا: استهداف الشخصيات القيادية الميدانية بدءًا من فؤاد شكر وصولًا إلى إبراهيم عقيل وقادة وحدة الرضوان، التي تولت إدارة كافة عمليات ومعارك الحزب منذ نشأته، مرورًا بالحرب السورية. والهدف هنا هو إحداث فجوة بين العناصر المقاتلة والإدارة المباشرة للعمليات.
  • ثالثًا: تطمح الحكومة الإسرائيلية في توسيع نطاق الحملات التدميرية لمنصات صواريخ الحزب ومخازنها، ولا سيما في المناطق ذات التضاريس الوعرة التي لم تصل إليها الغارات من قبل. وهذا يفسر شمول الغارات في اليومين الأخيرين مناطق متعددة في بعلبك والهرمل وجبل لبنان. ويرى المراقبون أن هذا يعني أن إسرائيل لم تعد تسعى فقط لضمان عدم وجود تهديد صاروخي من حزب الله على بعد كيلومترات قليلة من الجنوب، بل هي ترغب في إنهاء منظومته الصاروخية بشكل كامل، حتى لا تشكل خطرًا مستقبليًا، سواء من الجنوب أو من البقاع والشمال والمناطق الحدودية مع سوريا.
  • رابعًا: تسعى إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة في الجنوب حتى خط الليطاني. وهو ما يعني نقل خطوط المواجهة مع حزب الله وحلفائه من الحدود اللبنانية الإسرائيلية عند الخط الأزرق إلى حدود نهر الليطاني. وتحقيقًا لهذه الغاية، تعمل على مسح المنطقة الحدودية بالقصف المكثف بهدف التهجير الممنهج، وقد تستمر في ذلك على مدى أيام أو أسابيع.

يبقى الخيار المتعلق بالاجتياح البري هو التحدي الأكبر، إذ قد يؤدي إلى إخلاء المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من سلاح حزب الله، وبالتحديد وحدة الرضوان النخبوية، ليصبح النهر هو خط التماس الجديد بدلًا من الخط الأزرق، وتصبح الحرب دائرة في داخل الأراضي اللبنانية، لا بين لبنان وإسرائيل.

جمود المساعي الدبلوماسية

في سياق متصل، لا يمكن إغفال الأهداف الكامنة لنتنياهو في هذه الحرب المفتوحة التي لا تلوح في الأفق بوادر لانتهائها. فمن المؤكد أن نتنياهو يسعى لعرقلة أية تفاهمات تم التوصل إليها بين واشنطن وطهران، والتي ظهرت مؤشراتها في مواقف عدة، أبرزها تصريحات الرئيس الإيراني حول العلاقة مع واشنطن والشروع في محادثات نووية.

الهدف الأساسي لنتنياهو هو جر واشنطن إلى صراع واسع النطاق يمتد ليشمل المنطقة بأسرها انطلاقًا من لبنان، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى إجهاض تلك التفاهمات. وقد بدأت ملامح ذلك تظهر أمريكيًا بالحديث عن جدولة الانسحاب الأمريكي من العراق. هذا المسار لم يكن ليتحقق لولا وجود اتفاق مع إيران يضمن الواقع الأمني للحضور العسكري الأمريكي المتبقي في العراق، ويؤسس لتفاهم حول كيفية ملء الفراغ الذي سيحدث مع تركيا.

تلقى لبنان رسائل واتصالات عديدة تؤكد عدم رغبة المجتمع الدولي في نشوب حرب شاملة، وأنه لا يزال هناك مجال للتراجع والعمل على التوصل إلى اتفاق دبلوماسي برعاية دولية وإقليمية. وقد استمع المسؤولون في بيروت إلى هذا الكلام على الرغم من كافة التحذيرات التي تشير إلى أنه في حال عدم الاستجابة، فإن المعركة ستتخذ طابعًا أكثر قسوة وعنفًا، وأن النموذج الغزّي قد يتكرر في لبنان.

ومن هنا، تتواصل الاتصالات والاجتماعات الدبلوماسية في محاولة لمنع الانفجار واحتواء التوتر. وليس من قبيل الصدفة أن تتزامن زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت مع تحركات المنسقة الأممية في لبنان في إسرائيل.

وبناءً على ذلك، يشهد لبنان تحولًا إلى مستوى جديد من الحرب. وقد بدأ هذا التحول بالحديث عن وقف إطلاق النار في غزة من أجل تهدئة جبهة الإسناد في لبنان، وصولًا إلى معادلة يحاول نتنياهو فرضها وهي عودة سكان المستوطنات الشمالية. وهو ما يعني أن ما ينتظر لبنان، ولا سيما المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، سيكون أكبر وأخطر مما يجري اليوم، وأن إسرائيل لن توقف حربها هذه المرة إلا بعد قبول حزب الله بالتوصل إلى تفاهمات جديدة في الجنوب، بضمانات دولية، تدفع عنه أي خطر محتمل قد يشكله على إسرائيل لسنوات مقبلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة